من الشبه الشائعة التي أصبحت عند البعض كأنها من المسلمات، وقد يلقيها بعض المتخصصين في الدراسات الفقهية على الطلاب في الجامعات.
أن تدوين الحديث تأخر عن تدوين الفقه وانتشار المذاهب الفقهية، الأمر الذي أدى إلى الخلاف بين الفقهاء، بل بالغ بعضهم إلى درجة توهم البعد بين بعض المذاهب الفقهية المعتمدة وبين السنة النبوية. . ! ! .
وهذه الشبهة من أصلها قول من أبعد النجعة عن الحقيقة، والحقيقة التاريخية تثبت خلاف ما ادعاه هؤلاء، وذلك للأمور التالية:
1 - إن حفظ الحديث قد توفر لدى الصحابة رضوان الله عليهم بأقوى ما يكون، وكان جماعة من الصحابة على إحاطة بجملة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وجد في كل قطر من الأقطار من يؤدي الحديث بجملته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة ثم من التابعين وهكذا.
ناهيك عن حفظهم للقرآن واعتنائهم بدراسته والتفقه فيه، وهو الأصل الأول في التشريع، فكانوا بذلك في غنى عن التدوين لما وعته صدورهم من العلم.
2 - ما سبق ذكره من تحقق التدوين منذ عهده صلى الله عليه وسلم، وهو على كل حال يدل على أن الحديث حظي من التدوين والنشر بما لم يحظ به الفقه إلا بعد عهد.
3 - أن تدوين الفقه بدأ في ضمن تدوين الحديث، حيث جَمَعت المصنفات والموطآت الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة والمقطوعة، فالحقيقة أن العكس هو الصواب، وهو أن تدوين الحديث سبق تدوين الفقه، وانتشار المذاهب.
4 - أن أسباب الخلاف بين الفقهاء ترجع في حقيقتها إلى أمور جوهرية أوسع وأبعد بكثير من غياب حديث أو روايةٍ عن الفقيه، ولو استقصينا المسائل التي وقع فيها الخلاف بسبب ذلك لكانت مسائل يسيرة من أبواب الفقه.
أما سائر المسائل الخلافية فيرجع الخلاف فيها إلى أسباب جوهرية أخرى تتصل بطبيعة تلك المسائل الاجتهادية التي من شأنها ومن سنة الله أن تختلف فيها العقول والأفهام.
.
وقد وقع الخلاف في عهده صلى الله عليه وسلم بين الصحابة في نص واحد وجَّهه إليهم جميعاً يوم بني قريظة، ولم يعنف صلى الله عليه وسلم أحداً من الفريقين.
فهذا كله وغيره كثير من الوجوه التي تبطل ادعاء تأخر تدوين الحديث عن تدوين الفقه، وتبطل زعم أن ذلك التأخر كان منشأ تفرق المذاهب الإسلامية الفقهية.
الكاتب: د. نور الدين عتر بتصرف
المصدر: موقع إسلام ويب